جريدة البلاد – العدد 2616 الأحد 13 ديسمبر 2015
بقلم هدى هزيم: تروي لي إحدى الأمهات قصة ابنها المتعافي، كيف تلقت صدمة إدمانه، كيف عاشت رحلة التحدي والمعاناة. أرويها كالتالي:
نعيش في أسرة مستقرة، في عمر (16) وقع ابني في مشكلة الإدمان على المخدرات. عرفنا متأخراً بعد تخرجه من الثانوية وظهور علامات الإدمان، حينها غضب والده بشدة وضربه، وبدأ يراقبه ويحذره مراراً. التفت الأسرة حوله بالإرشاد والنصح. لكن المخدر تمكن من جسمه وعقله ولم يستطع الوفاء بوعوده.
وكانت الصدمة الكبرى، حين وصلني خبر القبض عليه “متعاطياً”، تمنيت أن تنشق الأرض وتبلعني. سجن لمدة عام، لم نتركه طوال فترة سجنه، كنا نزوره وننصحه بشكل دائم. بعد السجن ظل عاطلاً عن العمل، لأنه لا يمنح شهادة حسن سيرة وسلوك إلا بعد مضي عامين على قضيته. قبل انتهاء تلك المدة بشهر، قبض عليه “متعاطياً” وسجن لفترة 6 شهور. وقفنا بجانبه، نصحه أحد أصدقائه المتعافين، بالعلاج في جمعية التعافي بمنطقة الحد، لم يقتنع واستمر بالتعاطي.
في أحد الأيام، كان زوجي مسافراً، دخل ابني البيت تحت تأثير المخدر، وحصل شجار حاد بينه وبين أخويه الأكبر والأصغر منه. انهرت، لم أتحمل منظر الشجار بين فلذات كبدي. اتصلت بأخي وحضر فوراً للبيت، حاولنا إقناعه بالعلاج، وبالفعل أخذناه في ساعة متأخرة من الليل الى مقر جمعية التعافي.
أحسنوا استقبالنا، وأخذوا عليه تعهداً بعدم الخروج إلا بحضور ولي أمره. هنا بدأ طريقه نحو التعافي، خلال أيام قليلة استطاع أن يتخلص جسمه من أثر المخدر، حاول خلالها الهرب، لكننا استمرينا في تشجيعه ودعمه نفسياً.
بعدها بدأ العلاج الحقيقي، وهي مرحلة “التأهيل”، حيث يقدم الدعم النفسي والروحي عبر عدة برامج علاجية على أيدي متخصصين لمساعدة المدمن على التعافي. احتضنت جمعية التعافي ابني، كما تحتضن الأم وليدها بعد مخاض عسير. قدموا له الدعم والمساعدة، أرشدونا في كيفية التعامل معه، كانت أياما مليئة بالألم والأمل معاً، وتدريجياً بدأ يزورنا في العطلة الأسبوعية ويعود لمواصلة مرحلة التعافي، لا يتركونه إلا بعد التأكد من تعافيه بشكل كلي، وذلك منعاً لعودته للإدمان. عمل خلال تلك الفترة “موجهاً” في الجمعية لمساعدة المدمنين على التعافي. وذهب في رحلة للعمرة والحج وبفضل الله عرف طريق الصلاح. بعد عام من تعافيه، رجع بيته واندمج في المجتمع، واستمر في زيارته الجمعية بين حين وآخر. وبدأ رحلة البحث عن وظيفة ليبدأ حياته من جديد.
ومنذ سنتين تعرف أيضاً على زمالة المدمنين المجهولين، وبدأ يحضر اجتماعاتهم، وأنا معه خطوة بخطوة، ومازال يشاركهم في البرامج العلاجية لمساعدة المدمنين على التعافي. يؤلمني وجود عدد كبير من المدمنات، وهنا أناشد الدولة وأصحاب الخير، دعم جمعية التعافي للتوسع وتخصيص مكان مناسب وكاف لعلاج المدمنات.
اليوم ابني متعاف، عمل بوظيفة مؤقتة لمدة 6 شهور، كان مثالاً للموظف المثابر، ومنذ أكثر من عام، ونحن نطرق كل الأبواب لتوظيفه دون نتيجة. وهذا أكثر ما يقلقني، لن ارتاح ولن يهدأ بالي، الا بعد استقراره مادياً. أناشد المسؤولين، لتوظيف ابني وإنهاء معاناتي وخوفي وقلقي الدائم عليه.
رسالتي لكل أم وأب: انتبهوا لأولادكم، فأي شاب معرض لمشكلة الإدمان. وغالباً ما يبدأ في المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية أيضا ويستمر إدمانهم سنوات دون علم الأهل، إلا بعد وصولهم مرحلة متأخرة من الإدمان. ورسالتي للمجتمع: الإدمان مرض والمدمن ضحية، وبحاجة الى دعم وتعاون جميع مكونات المجتمع لإنقاذه من الموت ومساعدته على التعافي والعودة للحياة.